التطوع الرقمي والفرص الخيرية المرنة: اتجاه عالمي في المشهد الخيري

مقدّمة

مع تطوّر التكنولوجيا وزيادة انتشار الإنترنت، تأثر العمل الخيري والتطوعي بصورة كبيرة. ما بدأ كمساعدات مألوفة – كالتطوع في المساجد، المدارس، توزيع السلال الغذائية، وغيرها – أصبح يتضمّن اليوم أشكالاً جديدة: التطوع عن بُعد، المساهمة بالمهارات من خلال الإنترنت، micro-volunteering، المنصات الرقمية التي تجمع المانحين والمتطوعين، وحتى التبرع بالأصول الرقمية. هذا التوجه أعطى مرونة أكبر للأفراد، ووسع دائرة المشاركة، خصوصًا لأولئك الذين لا يستطيعون الانخراط في عمل ميداني دائم بسبب التزامات أو بعد جغرافي أو حاجات خاصة.


كيف ظهر هذا الاتجاه ولماذا أصبح اتجاها حديثاً الآن؟

عدة عوامل سهلت وانتشرت فكرة التطوع الرقمي:

  1. جائحة COVID-19
    خلال الجائحة، اضطر الكثير من الناس لأن يكونوا في منازلهم، وتم تعليق المشاريع الميدانية، ما خلق حاجة للتحوّل إلى أشكال دعم غير تقليدية. المنظمات بحثت عن وسائل للاستمرار، والمتطوعون أرادوا الإسهام رغم القيود. WHYY+3Johnson Center for Philanthropy+3blog.techsoup.org+3
  2. التطور التكنولوجي
    انتشار الهواتف الذكية، الإنترنت عالي السرعة، والمنصات التي تتيح العمل التشاركي أو البُعدي، مثل المنتديات، التطبيقات الخاصة بالتطوع، التواصل المرئي، أدوات التعاون عن بُعد. كل هذا جعل من السهل تنظيم فرق عمل حتى إن كانت متفرقة جغرافيًا. Johnson Center for Philanthropy+2wildapricot.com+2
  3. تغير متطلبات المتطوعين
    لا يرغب الجميع في الالتزام الطويل أو التنقل. بعضهم يفضل الفرص التي تُكمَل في فترات قصيرة، أو التي تعتمد على المهارات الخاصة به. كذلك، جيل الألفية (Millennials) وجيل Z يفضلون الفاعلية، أثرًا ملموسًا، والشفافية في المؤسسات الخيرية. funraise.org+2Johnson Center for Philanthropy+2
  4. التركيز على الكفاءة والفعالية
    المنظمات الخيرية تواجه ضغوطًا لعمل أكبر بأقل تكلفة ممكنة، وتحسين جودة الخدمات، وضمان استخدام أمثل للموارد. التطوع الرقمي أو micro-volunteering يسمح بتقسيم المهام والوصول لمتطوعين عالميًا أو من أماكن بعيدة، مما يقلل من تكاليف النقل، المواصلات، التنقل، وغيرها. wildapricot.com+2Census.gov+2

أشكال التطوع المرن الحديثة

بعض أشكال التطوع التي أصبحت شائعة:

  • التطوع الرقمي (Virtual Volunteering): المشاركة في نشاطات مثل الترجمة، التصميم، إدخال البيانات، التوعية عبر الإنترنت، تطوير برمجيات مفتوحة المصدر، دعم فني، وغيرها. Johnson Center for Philanthropy+2wildapricot.com+2
  • micro-volunteering: مهام صغيرة تستغرق دقائق إلى ساعات قليلة، لا تتطلّب التزامًا طويلًا أو خبرة كبيرة. مفيدة لمن لديهم وقت محدود. ويكيبيديا+1
  • التطوع حسب المهارات (Skills-based Volunteering): استثمار مهارات خاصة مثل المحاسبة، التسويق، البرمجة، الإدارة، التواصل، في مشاريع خيرية، بدلاً من مجرد العمل اليدوي. يضيف قيمة مهنية ويُحسّن جودة المشاريع. wildapricot.com+1
  • التطوع الهجين (Hybrid Volunteering): مزيج بين الفعل الميداني والأنشطة عبر الإنترنت حتى في نفس المشروع، بحيث جزء منه يتم حضورياً وجزءه عن بعد. funraise.org+1

فوائد هذا الاتجاه

الاتجاه نحو التطوع المرن والرقمي يحمل مزايا قوية:

  1. إتاحة الفرصة لعدد أكبر من المشاركين
    فالأشخاص الذين لا يملكون الوقت الكافي للتنقل أو الذين لديهم إعاقة أو يعيشون في مناطق بعيدة يمكنهم المشاركة بسهولة.
  2. توفير التكاليف وزمن الوصول
    يقلل من حاجة للتجمعات، المواصلات، التجهيزات اللوجستية، ما يتيح توجيه الموارد نحو العمل الخيري نفسه بدلاً من التكاليف الجانبية.
  3. المرونة والتخصيص
    المتطوع يختار المهمة التي تناسب مهاراته وجدوله الزمني، مما يزيد من الرضا واستمرارية الالتزام.
  4. تعزيز الابتكار واستخدام التكنولوجيا
    المنظمات التي تتبنّى هذا النوع من التطوع تدفع بالابتكار: استخدام المنصات، التحليلات، أدوات التعاون عن بُعد، وربما حتى الذكاء الاصطناعي.
  5. زيادة التواصل والتأثير
    التطوع الرقمي يمكن أن يُوصل الرسالة إلى جمهور أكبر، ويمكن أن يُستخدم لعمل حملات توعية على الانترنت، مشاركة المحتوى، جمع التبرعات عبر المنصات الرقمية، وغيرها.

التحديات التي تواجه التطوع المرن

رغم المزايا، هناك أيضاً تحديات يجب مراعاتها:

  1. المصداقية والشفافية
    مع كثرة الحملات الرقمية والتبرعات عبر الإنترنت، تصبح موثوقية المؤسسة مهمة جدًا. الناس يطلبون معرفة كيف تُستخدم التبرعات، ما هو الأثر، وما هي آليات المسائلة.
  2. التحقّق من المتطوعين وإدارة الجودة
    كيف تضمن أن المهام المنجزة ترتقي للمستوى المطلوب؟ كيف تضمن التزام المتطوع؟ هناك خطر أن يُعتبر العمل سطحيًا إذا لم يُدار بشكل جيد.
  3. الفجوة الرقمية
    في مجتمع مثل اليمن، قد يواجه الكثيرون مشاكل تتعلق بالاتصال بالإنترنت، الأجهزة، مهارات استخدام التكنولوجيا، أو حتى الكهرباء. هذا يقيّد من إمكانية المشاركة الرقمية لبعض الفئات.
  4. الأمان السيبراني والاحتيال
    مع تزايد الاعتماد على المنصات الإلكترونية، تكثر محاولات الاحتيال في طلب التبرعات، أو استغلال البيانات الشخصية. يجب أن تكون المؤسسات واعية وتتخذ إجراءات لحماية نفسها والمتطوعين والمتبرعين. arxiv.org
  5. الاستمرارية وتحفيز المتطوعين
    بعض الأشخاص قد يشاركوا مؤقتًا أو لمرة واحدة، لكن الاستمرار والتزام المتطوع بمهمة طويلة أو متكررة قد يكون صعبًا إن لم يشعروا بالتقدير، ولَم يرَو الأثر، أو إن لم تحصل المد المنظمة على متابعة وتحفيز.

أمثلة وتطبيقات من الواقع

  • في الولايات المتحدة، نسبة المتطوعين مع المنظمات غير الربحية ارتفعت من حوالي 23.2% إلى 28.3% بين 2021 و2022-2023، ما يدل على تعافي كبير بعد تباطؤ بسبب الجائحة. WHYY
  • أيضا حوالي 18% من المتطوعين الرسميين الآن يقدمون خدماتهم عبر الإنترنت (formal virtual volunteering) في بعض السياقات الدولية. Donorbox
  • استخدام المؤسسات للتكنولوجيا والتحليلات للتنبؤ بسلوك المتبرعين، وتحسين استبقاء المتطوعين، وتحسين التأثير، أصبح من الضروريات وليس الترف. funraise.org+1

كيف يمكن لمنظمة مثل مؤسسة المحسنين الاستفادة وتطبيق هذا الاتجاه

بما أنكم تعملون في بيئة فيها حاجات كبيرة، موارد محدودة، وربما تحديات تقليدية في العمل الميداني، فإليكم بعض التوصيات الواقعية:

  1. إدخال نماذج التطوع الرقمي
    • فتح فرص للمتطوعين من داخل اليمن ومن الخارج للمساهمة بمهارات مثل التصميم، الترجمة، كتابة المحتوى، التصوير، التسويق الرقمي، إدارة البيانات.
    • استخدام المنصات الرقمية البسيطة مثل مجموعات واتساب أو تليجرام أو فيسبوك لإدارة المهام والمتطوعين.
    • تحديد مهام قصيرة المدى تسهل المشاركة من دون ضغط زمني كبير.
  2. الترويج لقبول المتطوعين حسب المهارة
    • العديد من الناس لديهم مهارات احترافية لا يُستخدمونها دائمًا في العمل الخيري. استغلال هذه المهارات يرفع الجودة ويزيد التأثير.
    • إعلان واضح عند الحاجة مثلاً: “مطلوب مصمم/ة جرافيك لفترة قصيرة” أو “مُحرر/ة محتوى تصفح إنترنت” أو “مدقق/ة لغوي”.
  3. ضمان الشفافية وبناء الثقة
    • تقرير شهري أو دوري مصوّر أو مكتوب يُظهر ما تم إنجازه، كيف استخدمت التبرعات، الشهادات، الصور إن أمكن.
    • تأكيد أن المنظمات تتبع معايير الأمان، خصوصًا في جمع التبرعات الإلكترونية أو مشاركة البيانات.
  4. التعامل مع الفجوة الرقمية
    • إذا كانت هناك مناطق لا يتوفر فيها الإنترنت جيدًا أو الأجهزة، يمكن توفير فرص عمل تطوعية مختلطة، تجمع بين الحضور الميداني مع الجزء الرقمي، أو إقامة مراكز محلية مزودة بالإنترنت للأشخاص الراغبين بالتطوع.
    • تدريب بسيط للمتطوعين على استخدام الأدوات الرقمية إذا لزم الأمر.
  5. تشجيع المشاركة المجتمعية وعمليات التقدير
    • الاعتراف بشكر المتطوعين، عرض قصصهم، مشاركة تجاربهم في وسائل الإعلام.
    • خلق “سفراء تطوعيّين” من المتطوعين الناجحين ليحثّوا الآخرين على الانضمام.
    • وضع آليات متابعة لتجربة المتطوع: كيف يشعر؟ ما الذي يحتاجه؟ كيف يمكن تحسين التجربة؟
  6. استخدام التكنولوجيا والتحليل
    • جمع بيانات عن المتطوعين: من أين؟ ما مهاراتهم؟ ما الذي يفضّلوه؟ متى يستطيعون العمل؟ تحليل تلك البيانات لمواءمة الفرص.
    • الاستفادة من أدوات بسيطة لإدارة المتطوعين (جدولة، متابعة، تقييم، إشعارات).

خلاصة

العمل الخيري والتطوّعي يمر بتحوّل كبير مع بروز التطوع الرقمي والفرص المرنة. هذا الاتجاه ليس مجرد موضة، بل استجابة لاحتياجات العصر — الناس يريدون المشاركة بطرق تناسب ظروفهم، المنظمات تطمح لتحقيق أكبر أثر بأقل موارد ممكنة، والتكنولوجيا أصبحت جسرًا يربط الرغبة بالفعالية.