الناظر في فقه ونصوص الشريعة بخصوص العمل الخيري وما يشمله من معاني العطاء والبر والإحسان لا بد وأن يلتفت إلى أربع خصائص جلية في الموضوع:
أولاً: الحث الشديد على فعل الخيرات، والأجور العظيمة التي يهبها النص الشرعي لفاعل الخير، حتى أنك لتجد تقريباً لكل عمل خيري ثواباً جزيلاً تشكل حافزاً أساسياً للبذل والعطاء.
ثانياً: تفصيل دقيق وموسوعي لكافة أنواع البر والإحسان، وهذا التفصيل يتعدى الدعم الاجتماعي إلى الحث على فعل الخيرات في الجوانب الصحية والتربوية والثقافية والتنموية وكافة مناحي الحياة، وهو ما يعتبر حافزاً مهماً في دعم العمل المدني وجمعيات النفع العام في المجتمع المسلم.
ثالثاً: تفصيل إداري لأنواع الصدقات من نذر وكفارات وزكوات وصدقات عامة وغيرها، مع بيان أسباب تلك الصدقات بأنواعها وحجيتها ما بين فرض ونفل ومصارفها كما في الزكاة وأوقاتها وكمياتها وآليات صرفها، بل تعدى التشريع الإسلامي ذلك إلى بيان آدابها وضوابطها وحقوق العاملين عليها، مما يعني إننا نقف أمام ثروة إدارية وقانونية في التشريعات الخاصة بالأموال المخصصة للنفع العام من فك كربات وقضاء حاجات.
رابعاً: بعد إنساني واضح في التشريعات الإسلامية، يتعدى الإنسان لتصل الرحمة والعطف إلى الحيوان، وكلنا يذكر قصة المرأة البغي التي دخلت الجنة في عطفها على حيوان عطشان، فكيف بالإنسان ولو كان على غير ملة الإسلام، ولعل في قصة حضور الرسول صلى الله عليه وسلم احتضار طفل من يهود المدينة وهو يجود بنفسه، وطمعه صلى الله عليه وسلم في إسلامه ما يؤكد هذا المعنى، ولا نريد أن نستوسع في ذكر الأمثلة والأدلة على البعد الإنساني للعمل الخيري الإنساني لأن المجال لا يتسع في هذا المقام، ولكننا نؤكد أن نظرة الإسلام لحقوق الإنسان تتصف بشمولية وعمق أكثر من النظرة الغربية، باعتبار أن الإسلام ينطلق من اعتقاد راق في نظرته إلى الإنسان حيث جعل الله عزوجل الإنسان خليفة في الأرض لعمارتها، وإقامة أحكام شريعته فيها، قال عزوجل:” وهو الذي جعلكم خلائف الأرض” (الأنعام:165).
النصوص الشرعية للعمل الخيري تحوي حثاً شديداً على فعل الخير، وتفصيلاً موسوعياً لأنواع البر وثروة إدارية وقانونية في تشريعات الصدقات وبعد إنساني واضح. |
فالإنسان موضع تكريم من الله عزوجل، ويتساوى بهذا التكريم جميع البشر بصفتهم الإنسانية مهما اختلفت ألوانهم ومواطنهم وأنسابهم، كما يتساوى في ذلك الرجال والنساء قال تعالى:” ولقد كرمنا بين آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلاً” (الإسراء:70).
ومن هذا المعتقد الأساسي في تكريم الإنسان، حمل الإسلام هموم الناس والشريعة الإسلامية تفيض بالنصوص الشرعية التي تؤكد هذا المعنى، وفي الحديث الذي رواه أبو داود في سننه (4946) والترمذي (1425) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه”، وفي الحديث الذي ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/609) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” لأن أمشي مع أخ في حاجة، أحب إلي أن أعتكف في هذا المسجد (يعني مسجد المدينة) شهراً”، وفي الحديث الذي رواه البخاري (6007) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم لا يغتر، وكالصائم لا يفطر”.
وهكذا اهتم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بهموم الناس اقتداءاً بنبيهم عليه الصلاة والسلام، فهذا أبو بكر يشارك في البذل فيأتي بكل ماله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسأله النبي:” ماذا أبقيت لأهلك؟ فيقول: أبقيت لهم الله ورسوله، بينما خليفته عمر بن الخطاب يهتم بشأن المسلمين وهمومهم حتى يقول:”لو مات جدي بطفّ الفرات، لخشيت أن يحاسب الله به عمر، بينما عثمان بن عفان يتبرع ويتبرع ويتبرع للمسلمين حتى قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم:”ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم” بينما البطل الشجاع علي بن أبي طالب يحمل سيفه في كل غزوة مدافعاً عن الأمة متبيناً لقضاياها، وكان خير قدوة لأبنائه حيث نجد ابنه الحسن يخرج من ماله مرتين، ويقاسم الله عزوجل ماله ثلاث مرات، ويصلح به فئتين من المسلمين.
دول الخليج العربي رائدة في العمل الخيري، ليس بسبب الطفرة المادية بل اعتبار أبناء الخليح ورثة للمنطقة التي خرج منها الإسلام للمرة الأولى. |
إذن هذا التراث الضخم من تبني هموم الناس مدعوماً بالنصوص الشرعية المحملة بالأجور والفضائل، هي الدوافع الأساسية التي تجعل العمل الخيري ينطلق في آفاق الأرض لتحقيق كرامة الإنسان، وتكريم الله له سبحانه وتعالى.
وهذا يفسر هذا الانتشار الطيب للمؤسسات الخيرية في طول العالم الإسلامي بشرقه وغربه، ولعل دول الخليج العربي تقوم بدور الريادة في هذا الموضوع، ليس لأن الأمر متعلق بثروة نفطية وسخاء نفس أهل الخليج، بل إن العمل الخيري في الخليج يسبق زمنياً بمراحل طويلة موضوع الثروة النفطية.
فأهل الخليج يعتبرون أنفسهم ورثة طبيعيين لهذا المنطقة التي انطلق منها الإسلام أول مرة للعالم كافة، وللبشرية جمعاء، وهم هنا بهذه الأعمال الخيرية يترسمون خطى الجيل الأول من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فهناك مثلاً 122 جمعية أهلية في دولة الإمارات منها 55 جمعية ذات نشاط ثقافي و18 جمعية مهنية، 9 جمعيات نسائية، بينما يقفز هذا الرقم في الكويت إلى أكثر من 180 مؤسسة منها 52 جمعية نفع عام فبالإضافة إلى أعداد جيدة من المبرات الخيرية.
إمكانات غربية
ولأن الإمكانات الغربية الضخمة تتفوق على إمكانات دول العالم الإسلامي، ناهيك عن أسبقية تلك الدول في بناء آليات المجتمعات المدنية، نجد أن العمل الخيري ونشاط التبرعات قد يصيبك بالذهول للوهلة الأولى بسبب حجم الإمكانات المتاحة، فهناك دعم مالي كبير تقدمه الحكومات الغربية لحركة التنصير، في مقابل دعم يسير يقوم به أهل الخير في بلاد المسلمين وسط مضايقات كثيرة، ونجد الأوقاف في الدول الغربية بمباني ضخمة وإيرادات مرعبة، بينما نجد الاوقاف في المقابل قليلة في بلاد المسلمين، ناهيك عن الفروقات الأخرى في الإدارة والتأهيل وقوة العلاقات وتنوع الطاقم العامل في المؤسسات الخيرية الغربية.
ولا نستطيع ونحن نتحدث عن الإمكانات الغربية أن نتجاوز الحقائق المنشورة عن العمل الخيري الذي يطلق عليه في أمريكا و”إسرائيل” القطاع الثالث، وهو يحتل مساحة واسعة من نشاط مؤسسات المجتمع المدني في هاتين الدولتين، ففي “إسرائيل” حوالي 30 ألف جمعية تعمل في هذا القطاع وفق إحصائية رسمية لعام 2003م. وبناءً على الإحصاءات الرسمية لعام 1995م بلغ حجم المناشط التي أنجزها هذا القطاع 11 مليار دولار أمريكي، أي ما يساوي حوالي 13% من الناتج المحلي، ويعمل فيه ما يقرب من 145 ألف شخص بشكل رسمي بالإضافة إلى 177 ألف متطوع ، علمًا أن معظم إيرادات العمل الخيري “الإسرائيلي” تتدفق من القطاع الحكومي وتبلغ ما يقارب 64% من حجم هذا القطاع .
من أهداف الهجمة على العمل الخيري التطوعي زراعة كراهيته في نفوس أطفال المسلمين، وإقامة الموانع أمام المتبرعين وتفريغ الساحات للجمعيات التنصيرية. |
وبخصوص القطاع الثالث بالولايات المتحدة؛ فيضم في إطاره 1.514.972 منظمة وجمعية ، ويتم الترخيص يوميًّا لـ 200 جمعية تعمل في هذا المجال. وينتظم في هذا القطاع قرابة الـ11 مليون نسمة، بينما تبلغ إيراداته حوالي 212 مليار دولار سنويًّا. ويعتبر الشعب الأمريكي من أكثر الشعوب تبرعًا للقطاع الخيري، وكمثال على ذلك وقفية (بيل غيتس) وزوجته (مليندا) الذي يبلغ رأسمالها 24 مليار دولار.
وفي الوقت الذي تتبرع بعض الشركات في العالم الإسلامي بنسبة 2.5% من أموالها للزكاة نجد أن القانون الأمريكي يفرض على الشركات بأن تتبرع بنسبة 5% من عوائدها للجمعيات اللاربحية الخيرية سنوياً.
هذه المقارنات ليست في صالح العمل الخيري الإسلامي تماماً، ومقارنة الإمكانات المادية بين الطرفين تظهر الموارد المالية للعمل الخيري الإسلامي وكأنه نقطة ببحر مقارنة بإمكانات الجمعيات الخيرية والدينية والتنصيرية الموجودة في الغرب، وهذا يستدعي دهشة واستغراباً من الهجوم المتواصل والضغوطات الشديدة ومحاولات التحجيم المتكررة لضرب العمل الخيري الإسلامي، ومحاربة ربطه بالإرهاب، بينما أيدي الجمعيات التنصيرية الغربية طليقة بإمكاناتها الجبارة في العدوان على هوية المجتمعات الإسلامية ومحاولة تنصير شعوبها تحت ضغط الفقر والحاجة وخاصة في جنوب آسيا وقارة إفريقيا، وكذلك الجمعيات الصهيونية المتطرفة التي تجمع الأموال في الولايات المتحدة جهاراً نهاراً من أجل تثبيت الاحتلال اليهودي في إسرائيل وإقامة المستوطنات على الأراضي التي اغتصبوها بالقوة الغاشمة والخداع، ويمكننا استشفاف بعض أسباب هذا العداء الغربي للعمل الخيري الإسلامي.
فالمنطقة العربية والإسلامية تعيش حالة فراغ سياسي وأمني غير مسبوقين، وفي فضاء هذا المناخ غير المتوازن وبسبب طبيعة الأنظمة السياسية السائدة عجزت الدول القطرية بالمنطقة أن تقوم بشكل فاعل بالكثير من المهام، خاصة ذات الإطار الإسلامي مثل: مناشط الدعوة الإسلامية، والدعم اللوجستي الإنساني للساحات التي يتعرض فيها المسلمين للاضطهاد والتقتيل.
ونظرًا لأن العمل الخيري الأهلي الإسلامي يتمتع بحرية الحركة ولا تقيده ضرورات الدول والتزاماتها السياسية ، وبسبب النجاحات التي حققها في كافة بقاع العمورة خاصة في مفاصل تعتبرها الدوائر السياسية الغربية نشاطاً محظورًا بحجة التصاقها بما تسميه هذه الدوائر بظاهرة الإسلام السياسي . من أجل ذلك ولجملة أخرى من الأسباب تحرك اللوبي اليهودي لدفع الإدارة الأمريكية وبالذات الحالية وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر لمحاربة العمل الخيري الإسلامي بدعوى محاربة الإرهاب. وكنموذج من هذه الحملة ما قاله (ماثيو ليفيت) من اللوبي اليهودي – الليكودي- أمام اللجنة القانونية الفرعية للإرهاب والتكنولوجيا والأمن الداخلي في الكونجرس الأمريكي، إذ يقول في شهادته: “إن كل جمعية إسلامية سمعت بها في الولايات المتحدة هي واجهة لمنظمات إرهابية أو تمول الإرهاب، كما أنه يزعم أن “السعودية تمول الجماعات الإسلامية المتطرفة في الولايات المتحدة التي تمول بدورها الإرهاب”.
المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط دينس روي حذر عام 1996 من خطورة المساس بالجمعيات الإسلامية دون بديل موجود وقادر على تقديم المساعدة. |
يضاف إلى ذلك جملة أسباب أخرى منها:
1- استنبات كراهية العمل التطوعي اللاربحي في نفوس ناشئة المسلمين وفي الأجيال القادمة بدعوى الإرهاب .
2- إقامة سدود بين المتبرع سواءً كان فرداً أو تاجراً وزعزعة الثقة في أهلية العمل التطوعي الإسلامي لقبول التبرع وأهلية القائمين عليه لصرفه في قنوات الحاجة الصحيحة .
3- إيراد الحسرة والندامة في نفوس المنفقين حينما يرون أموالاً لهم تبرعوا بها قد تم تجميدها مع العلم أنها لا تضيع عند الله كما هو معلوم من نصوص الشريعة حيث أنها وقعت في محلها وليس هذا مكان تفصيل ذلك .
4- إفساح المجال تلقائياً للمجال التنصيري عند غياب العمل الدعوي التطوعي الإسلامي وإحجام المسلمين عنه أو قلة الراغبين فيه .
5- بث رسالة غير مباشرة لمحتاجي الإغاثة والرعاية والمتضررين بأنه ليس لهم إلاّ المنظمات التنصيرية في حين أن العمل التطوعي الإسلامي يعود عليهم بويلات أكبر مما هم فيه من ضرر حالي إضافة لما في ذلك من تهيئة لقبول الدين النصراني المسيحي عند ضعاف العقول من الشعوب الفقيرة .
6- تخذيل المسلمين المتضررين المحتاجين للمعونات والدعوة وفتنهم عن دينهم بدعوى أن لا أحد جاء لإغاثتهم من المسلمين .
7- تشويه صورة الإسلام في أعين وسائل الإعلام ومحطات التلفزة وقرنة بالإرهاب للتنفير المباشر من قبول الدعوة للإسلام، مع عدم تقديم الدليل على الأسباب الداعية لقفل وتجميد الحسابات والأرصدة.
ولا ننسى دور الأصوليين والمسيحيين والمتطرفين اليهود، والجمهوريين المحافظين الذين يحاصرون البيت الأبيض ويرفعون شعار الدعم المطلق لإسرائيل لأسباب استراتيجية ودينية، ولو رجعنا لبعض تصريحات قادتهم وساساتهم لتقهمنا أكثر وأكثر دوافع الهجوم على العمل الخيري الإسلامي دون غيره.
آليات التحجيم
لذا كان لا بد للغرب من تحجيم العمل الخيري الإسلامي، ووجد الحاقدون في أحداث 11 سبتمبر فرصة جاءت على طبق من ذهب فربطت بين الإرهاب والعمل الخيري الإسلامي، واتبعت عدة آليات ووسائل لتحجيم العمل الخيري، ومن ذلك:
1- تجفيف موارد الجمعيات الإسلامية من خلال الضغط على الحكومات العربية لملاحقة التمويل الشعبي والجمعيات الجامعة له.
2- توجيه الدعم الشعبي والرسمي العربي من خلال القنوات الرسمية مع ما فيها من بطء وروتين وتوظيف سياسي للأموال.
3- ملاحقة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لنشطاء الحركات الإسلامية الاجتماعيين من خلال الاعتقال ومداهمة المؤسسات الخيرية وتحطيم بنيتها المعلوماتية.
4- ملاحقة الأجهزة الأمنية الغربية والأميركية للجمعيات الإسلامية من خلال محاصرة أنشطتها وإغلاق بعضها واعتقال بعض مسؤوليها.
5- محاولة ربط النشاط العسكري لحركات المقاومة بالأعمال الإغاثية، ومحاولة خلق مشابهات في الذهن العام وربط العمل الخيري بتنظيم القاعدة وخلق البلبلة والشائعات من حوله.
وتتعدى آليات التحجيم من مجرد الحفظ والوسائل إلى إصدار القوانين التي تعطى الغطاء القانوني لهذه التحركات السيئة التي تحاول النيل من العمل الخيري، وقد عملت أمريكا بدفع من قوى اللوبي اليهودي على استصدار منظومة من القوانين لمحاربة العمل الخيري الإسلامي منها:
فريضة الزكاة لن تتوقف، والتضييق على المؤسسات الخيرية سيجعل الناس تتبرع للأفراد وساعتها لا يمكن ضمان اتجاه تدفق الأموال ولا يمكن مراقبتها. |
*قانون الإرهاب :
ويستهدف هذا القانون تجريم حركات التحرر الوطني ونزع الصفة الإنسانية عن أفرادها وتحييد كافة القوانين الدولية التي توفر لهم الشرعية والحماية مثل معاهدة جنيف وأسرى الحرب وغيرها.
*قانون الأدلة السرية :
وتمت صياغته لمحاربة كافة القوى غير المتوافقة مع السياسة والمصالح الأمريكية، سواء كانوا أشخاصًا أو جماعات أو دولاً لحرمانهم من الحقوق القانونية بنزع صلاحيات المحاكم والقضاء المدني لتجريد الخصم من قدرته عن الدفاع عن نفسه .
*قانون الجريمة بالمخالطة :
وهو قانون فريد من نوعه صيغ لتجريم الأشخاص والمنظمات و الدول التي تتهم بعلاقة الاختلاط مع الجهات التي تصنفها أمريكا على أنها إرهابية، أو اللقاء مع هذه الجهات، أو السكوت عنها، أو المعرفة بها، وعدم تقديم الشهادة ضدها ، ويعتبر ماضي الجهة المتهمة خاضعًا لهذا القانون حتى لو كان نشاط الجهة “الإرهابية” المتصل بها مباحًا في الماضي.
وهي حملة بجملتها تستهدف تجريد دول المنطقة من سيادتها على أرضها وحرمانها من مساندة حركة المقاومة أو القوى التي تسعى لإنهاء الاحتلال عن أراضيها كفلسطين ولبنان وسوريا.
بعض النتائج المريرة
ونتيجة لكل ما سبق، فإن العمل الخيري الإسلامي ولا شك تأثر بهذه الهجمة الشرسة التي لا تستند على منطق ولا دليل، وتفوح منها رائحة المعايير المزدوجة بشكل فاضح، والضحية كانت الشعوب التي تعيش تحت خط الفقر، وخاصة التي تعاني من ويلات الكوارث والحروب والاحتلال، ومن ذلك:
– تم إقفال مؤسسة الأرض المقدسة للإغاثة والتنمية في أمريكا.
– تجميد مؤسسة النجدة العالمية بأمريكا، ثم الإقفال.
– تم تجميد مجموعتي التمويل وهما (بنك الأقصى العالمي، ومجموعة بيت المال الاستثمارية) ومقرهما الأراضي الفلسطينية.
– تم إقفال (جمعية الأقصى الخيرية) الداعمة للشعب الفلسطيني في آخن بألمانيا، (كل هذا بقرارات سياسية وليس بحكم فضائي، وأصبح الشعب الفلسطيني تحت خط الفقر.
وهكذا تقلص العمل الخيري الإسلامي إلى حدوده الدنيا، أذربيجان وحدها كانت فيها (خمس عشرة) مؤسسة إسلامية أصبحت المؤسسات النشطة (ثلاثاً) فقط بعد أحداث 11 سبتمبر، ومن نماذج هذا التقليص أن:-
– الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد التي يدرس فيها (5000) طالب وطالبة تكاد تتوقف كما انقطعت الرواتب الشهرية (لثمانية عشر) من أساتذتها بسبب خوف الممولين وتقاعسهم.
إن الهدف الجلي من الحرب الأميركية الإسرائيلية على الجمعيات الإسلامية في الداخل والخارج ليس فقط وقف أعمال المقاومة، بل هو تجريد الفلسطينيين من صمودهم وإنسانيتهم. فالمطلوب إبقاؤهم أذلاء على أبواب الاحتلال يستجدون لقمة عيشهم ولا يفكرون بأوطانهم وكرامتهم وعزتهم.
أما الشعب العربي والإسلامي المتحرق لدعم الشعب الفلسطيني بكل السبل الذي يجد نفسه عاجزا أمامهم نكبتهم اليومية ولا يجد غير ماله ليجود به على إخوانه الفلسطينيين فإن المطلوب منه الآن التخلي عن ذلك القليل الذي يقدمه.
وإذا ما نجحوا في وقف هذا الدعم الإنساني المحدود أو التضييق عليه؛ فإنه من المؤكد أن تسوء الأحوال الإنسانية في فلسطين بشكل أكبر، لأن القليل الذي تؤمنه الجمعيات الإسلامية كفيل فقط بتخفيف الفقر والجوع. أما البنية التحتية والخدمات الأساسية فهي تحتاج إلى عشرات المليارات، وهذا ما لا يجرؤ أحد على التورط به أو أخذه على عاتقه.
وفي ظل الوعود الأميركية الجوفاء لإنقاذ الفلسطينيين من محنتهم كبديل عن الجمعيات الإسلامية، فإن محاربة الأمريكان لذلك الجزء اليسير من المساعدات العربية والإسلامية الشعبية كفيل فقط بتراكم معادلة من الغضب الاجتماعي الذي سينفجر فقط في وجه المصالح الأميركية، ويصب جام غضبه على الاحتلال بمزيد من المقاومة وليس العكس.
الاستسلام غير وارد
إن العمل الخيري الإسلامي ينطلق من قواعد شرعية أمينة ومكينة، ولا يمكن أن نتخيل يوماً مثلاً أن يتوقف فيه الناس عن دفع أموال الزكاة، والتضييق على العمل الخيري المؤسسي سيجعل الناس يلجأون للعمل الخيري الفردي، وساعتها لا يمكن ضمان اتجاه تدفق الأموال ولا يمكن مراقبتها، وفي لحظتها ربما سيدرك من ساعدوا على تحجيم العمل الخيري المؤسسي أي خطأ فادح ارتكبوه، وإن أي أعمال يعتبرها الغرب إرهابية تتم في المستقبل لن يتمكن من توجيه اللوم إلى الجمعيات الخيرية الإسلامية لأن “يداك وفيك نفخ”.
ويجب أن نذكر هؤلاء الذين يحاولون تحجيم العمل الخيري بثلاث نقاط يجب أن لا تغيب عن بالهم وهم في سعيهم المحموم للنيل من رزق الأرملة واليتيم:-
1- غالبية الجمعيات الخيرية تمتاز بنظافة اليد، وفي ظل ما يدعو إليه الأمريكان من شفافية فإن دعواهم لتوجيه الدعم لقنوات رسمية أو أهلية أخرى هو بمثابة تناقض وكشف للنوايا الأميركية التي تزعم أنها مع الإصلاح المالي بينما تسعى فعليا لتوجيه الموارد باتجاهات تتهمها أميركا بالفساد أصلا، بينما يقوم على الكثير من الجمعيات الخيرية الحالية رجال موثوقون لهم مكانتهم في مجتمعاتهم ودولهم.
2- إيجاد البديل عن الجمعيات الإسلامية يتطلب وجود بنية موازية تحتاج إلى سنوات من التراكم، لذا فإن سحق الجمعيات الإسلامية سيعني ثورة اجتماعية وتراكما للغضب وبالتالي مزيدا من الرفض والكره لأمريكا، في ظل أن عشرات آلاف العوائل مرتبطة أو مستفيدة من دعم الجمعيات الإسلامية، وهذا ما نبه إليه المبعوث الأميركي الأسبق لمنطقة الشرق الأوسط دينيس روس عندما شنت السلطة الفلسطينية حربا شاملة ضد الحركات الإسلامية سنة 1996 حيث نوه لخطورة المساس بالجمعيات الإسلامية دون بديل موجود ومواز.
3- يجب أن لا يغيب عنا أن ضغوط الأمريكان على الدول العربية للقيام بإجراءات -غير عادية- ضد الجمعيات الخيرية هو بمثابة تدخل في شؤونها الخارجية، ومن الجيد هنا تذكير هذه الدول بما يعنيه ذلك التدخل من مس بسيادتها ونيل من كرامتها.
الهجمة على العمل الخيري الإسلامي تعكس ازدواجية معايير فاضحة، على الرغم من من أنها نقطة ببحر مقارنة بأموال الجمعيات الصهيونية التي تجمع لتثبيت احتلال أراضي الغير. |
ملامح الحل
إن استمرار هذا الخير بالتدفق يتطلب بعض الإجراءات والأخذ ببعض الحلول والاقتراحات والتوصيات ومنها:
1- استمرار الدعم المستمر واللامحدود من الأفراد والحكومات للأعمال الخيرية والتطوعية المدروسة سواء القائمة أو المستحدثة مستقبلاً .
2- التوسع أفقياً بالعمل التطوعي بحيث تنشأ جمعيات لاربحية متخصصة لمكافحة السرطان ، ولحماية المستهلكين، وللتعليم المستمر، ولحماية الحياة الفطرية، ولمساعدة المرضى المحتاجين، ولتعليم المهن للعاطلين ، ولرعاية المسنين ، ولرعاية المعاقين ، وللتبرع بالدم ، ولخدمة الحجيج وللهلال الأحمر وغير ذلك .
3- التوسع رأسياً بالعمل الخيري والتطوعي والتصريح بجمعيات جديدة مثلما تقدم .
4- تكثيف الإعلانات ضمن حملة توعوية للمجتمع بأهمية العمل التطوعي الفردي ودوره في بناء المجتمعات المدنية الحديثة .
5- فرض إعلانات مجانية في وسائل الإعلام المختلفة عن العمل التطوعي أسوة بما هو حاصل في الدول المتقدمة في كل وسائل الاعلام .
6- فرض نسبة مئوية غير الزكاة الواجبة على كل الشركات المحلية والخارجية ولاسيما البنوك لدعم الأنشطة اللاربحية وخدمة المجتمع المدني .
7- مشاركة الجامعات ومعهد الإدارة العامة وطلبة مواد بحوث العمليات في إجراء بحوث تطويرية وميدانية عن الأعمال الخيرية التطوعية بكافة أنواعها لدعمها ومساندتها وتطويرها إدارياً .
8- تبني مقترح ( بديل الغرامة والعقوبة المرورية ) بأن يعمل المخالف مدة محددة لدى إحدى الجمعيات التطوعية وحبذا ان يكون ذلك لاحقا في جميع دول مجلس التعاون .
9- ضمن أعمال مجلس التعاون الخليجي إنشاء مجلس للعمل التطوعي الخيري لزيادة روافده وتأصيله لدى شعوب المجلس .
10- السعي نحو إقامة مشاريع وقفية تعود بالعائد على المشاريع التطوعية وتوفر استمرارية الدعم المستقر المحلي .
11- تدريس مادة عن العمل التطوعي الإنساني والاجتماعي والديني بالمدارس.
12- استمرار الجمعيات اللاربحية في اتباع قواعد وأنظمة محاسبية دقيقة وواضحة في قيودها المحاسبية.
المراجع:
1-أمريكا ونحن والعمل الخيري : م.محمد أحمد حبيب
2-الجمعيات الخيرية ومحاولات محاصرة دورها في فلسطين: إبراهيم أبو الهيجا.
3-دوافع الحملة الإعلامية على المؤسسات الخيرية الإسلاميةIslamiceiat.com
4-معركة العمل الخيري: عبدالرحمن فرحانة.